قَالُوٓاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ
﴿٧٨﴾سورة يونس تفسير السعدي
" قَالُوا " لموسى, رادين لقوله بما لا يرد به: " أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا " أي: أجئتنا لتصدنا عما وجدنا عليه آباءنا, من الشرك, وعبادة غير الله, وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟ فجعلوا قول آبائهم الضالين, حجة, يردون بها الحق, الذي جاءهم به موسى عليه السلام.
وقوله: " وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ " أي: وجئتمونا لتكونوا أنتم الرؤساء, ولتخرجونا من أراضينا.
وهذا تمويه منهم, وترويج على جهالهم, وتهييج لعوامهم, على معاداة موسى, وعدم الإيمان به.
وهذا لا يحتج به, من عرف الحقائق, وميز بين الأمور, فإن الحجج لا تدفع, إلا بالحجج والبراهين.
وأما من جاء بالحق, فرد قوله بأمثال هذه الأمور, فإنها تدل على عجز موردها, عن الإتيان بما يرد القول الذي جاء خصمه, لأنه لو كان له حجة, لأوردها, ولم يلجأ إلى قوله: قصدك كذا, أو مرادك كذا, سواء كان صادقا في قوله وإخباره عن قصد خصمه, أم كاذبا.
مع أن موسى عليه الصلاة والسلام, كل من عرف حاله, وما يدعو إليه, عرف أنه ليس له قصد في العلو في الأرض.
وإنما قصده, كقصد إخوانه المرسلين, هداية الخلق, وإرشادهم لما فيه نفعهم.
ولكن حقيقة الأمر, كما نطقوا به بقولهم: " وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ " أي: تكبرا وعنادا, لا لبطلان ما جاء به موسى وهارون, ولا لاشتباه فيه, ولا لغير ذلك من المعاني, سوى الظلم والعدوان, وإرادة العلو, الذي رموا به موسى وهارون.