وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدًۭا ۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّۭا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌۭ لِّمَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
﴿١٠٠﴾سورة يوسف تفسير السعدي
" وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ " أي: على سرير الملك, ومجلس العز.
" وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا " أي: أبوه, وأمه, وإخوته, سجودا على وجه التعظيم والتبجيل والإكرام.
" وَقَالَ " لما رأى هذه الحال, ورأى سجودهم له: " يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ " حين رأي أحد عشر كوكبا, والشمس والقمر له ساجدين.
فهذا وقوعها, الذي آلت إليه ووصلت " قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا " فلم يجعلها أضغاث أحلام.
" وَقَدْ أَحْسَنَ بِي " إحسانا جسيما " إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ " .
وهذا من لطفه, وحسن خطابه, عليه السلام, حيث ذكر حاله في السجن, ولم يذكر حاله في الجب, لتمام عفوه عن إخوته, وأنه لا يذكر ذلك الذنب, وأن إتيانكم من البادية, من إحسان الله.
فلم يقل: جاء بكم من الجوع والنصب.
ولا قال: " أحسن بكم " بل قال " أَحْسَنَ بِي " .
جعل الإحسان, عائدا إليه.
فتبارك من يختص برحمته من يشاء من عباده, ويهب لهم من لدنه رحمة, إنه هو الوهاب.
" مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي " فلم يقل " نزغ الشيطان إخوتي " بل كأن الذنب والجهل, صدر من الطرفين.
فالحمد لله, الذي أخزى الشيطان ودحره, وجمعنا بعد تلك الفرقة الشاقة.
" إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ " يوصل بره وإحسانه إلى العبد, من حيث لا يشعر, ويوصله إلى المنازل الرفيعة من أمور يكرهها.
" إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ " الذي يعلم ظواهر الأمور وبواطنها, وسرائر العباد وضمائرهم.
" الْحَكِيمُ " في وضعه الأشياء مواضعها, وسوقه الأمور إلى أوقاتها المقدرة لها.