قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ مَا كَانَ يَنۢبَغِى لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ وَلَٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَءَابَآءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْمًۢا بُورًۭا
﴿١٨﴾سورة الفرقان تفسير السعدي
" قَالُوا سُبْحَانَكَ " نزهوا الله عن شرك المشركين به, وبرأوا أنفسهم من ذلك.
" مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا " أي: لا يليق بنا, ولا يحسن منا, أن نتخذ من دونك منه أولياء, نتولاهم, ونعبدهم, وندعوهم.
فإذا كنا محتاجين ومفتقرين إلى عبادتك, ومتبرين من عبادة غيرك, فكيف نأمر أحدا بعبادتنا؟ هذا لا يكون.
أو, سبحانك " أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ " وهذا كقول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام " وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ " الآية.
وقال تعالى: " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ " , " وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ " .
فلما نزهوا أنفسهم, أن يدعوا لعبادة غير الله, أو يكونوا أضلوهم, ذكروا السبب الموجب لإضلال المشركين فقالوا: " وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ " في لذات الدنيا وشهواتها, ومطالبها النفسية.
" حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ " اشتغالا في لذات الدنيا, وانكبابا على شهواتها, فحافظوا على دنياهم, وضيعوا دينهم " وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا " أي: بائرين لا خير فيهم, ولا يصلحون لصالح, لا يصلحون إلا للهلاك والبوار.
فذكروا المانع من اتباعهم الهدى, وهو التمتع في الدنيا, الذي صرفهم عن الهدى.
وعدم المقتضي للهدى, وهو: أنهم لا خير فيهم.
فإذا عدموا المقتضي, ووجد المانع, فلا تشاء من شر وهلاك, إلا وجدته فيهم.
فلما تبرأوا منهم, قال الله توبيخا وتقريعا للمعاندين: