وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا
﴿٧٤﴾سورة الفرقان تفسير السعدي
" وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا " أي: قرنائنا من أصحاب وأقران, وزوجات.
" وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ " أي: تقر بهم أعيننا.
وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم, عرفنا من هممهم, وعلو مرتبتهم, أن دعاءهم لذرياتهم, في صلاحهم, فإنه دعاء لأنفسهم, لأن نفعه يعود عليهم, ولهذا جعلوا ذلك, هبة لهم فقالوا: " هَبْ لَنَا " بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين, لأن صلاح من ذكر, يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم, وينتفع بهم.
" وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " أي: أوصلنا يا ربنا, إلى هذه الدرجة العالية, درجة الصديقين, والكمل من عباد الله الصالحين, وهي درجة الإمامة في الدين, وأن يكونوا قدوة للمتقين, في أقوالهم وأفعالهم, يقتدى بأفعالهم ويطمئن لأقوالهم, ويسير أهل الخير خلفهم, فيهدون, ويهتدون.
ومن المعلوم, أن الدعاء ببلوغ شيء, دعاء بما لا يتم إلا به.
وهذه الدرجة - درجة الإمامة في الدين - لا تتم إلا بالصبر واليقين, كما قال تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ " .
فهذا الدعاء, يستلزم من الأعمال, والصبر على طاعة الله, وعن معصيته, وأقداره المؤلمة, ومن العلم التام, الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين - خيرا كثيرا, وعطاء جزيلا, وأن يكونوا في أعلى, ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل.
ولهذا - لما كانت هممهم ومطالبهم عالية - كان الجزاء من جنس العمل, فجازاهم بالمنازل العاليات فقال: