إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًۭا
﴿١٠٥﴾سورة النساء تفسير السعدي
يخبر تعالى, أنه أنزل على عبده ورسوله, الكتاب بالحق, أي: محفوظا في إنزاله من الشياطين, أن يتطرق إليه منهم باطل.
بل نزل بالحق, ومشتملا أيضا على الحق.
فأخباره صدق, وأوامره ونواهيه, عدل " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا " .
وأخبر أنه أنزله ليحكم بين الناس.
وفي الآية الأخرى " وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ " .
فيحتمل أن هذه الآية, في الحكم بين الناس, في مسائل النزاع والاختلاف.
وتلك في تبيين جميع الدين, وأصوله, وفروعه.
ويحتمل أن الآيتين كلتيهما, معناهما واحد.
فيكون الحكم بين الناس هنا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق وفي العقائد, وفي جميع مسائل الأحكام.
وقوله " بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ " أي: لا بهواك, بل بما علَّمك الله وألهمك.
كقوله تعالى " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى " .
وفي هذا دليل على عصمته صلى الله عليه وسلم, فيما يُبَلِّغ عن الله من جميع الأحكام وغيرها.
وأنه يشترط في الحكم, العلم والعدل لقوله " بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ " ولم يقل: بما رأيت.
ورتب أيضا, الحكم بين الناس على معرفة الكتاب.
ولما أمر الله بالحكم بين الناس المتضمن للعدل والقسط, نهاه عن الجور والظلم, الذي هو ضد العدل فقال: " وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا " أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته, من مدع ما ليس له, أو منكر حقا عليه, سواء علم ذلك, أو ظنه.
ففي هذا, دليل على تحريم الخصومة في باطل, والنيابة عن المبطل, في الخصومات الدينية, والحقوق الدنيوية.
ويدل مفهوم الآية على جواز الدخول في نيابة الخصومة لمن لم يعرف منه ظلم.