وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًۭا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًۭا ۚ وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌۭ ۗ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًۭا
﴿١٢٨﴾سورة النساء تفسير السعدي
أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها, أي ترفعه عنها, وعدم رغبته فيها, وإعراضه عنها, فالأحسن في هذه الحالة, أن يصلحا بينهما صلحا, بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها, على وجه تبقى مع زوجها.
إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة, أو الكسوة, أو المسكن, أو القسم, بأن تسقط حقها منه.
أو تهب يومها وليلتها, لزوجها, أو لضرتها.
فإذا اتفقا على هذه الحالة, فلا جناح ولا بأس عليهما فيها, لا عليها, ولا على الزوج.
فيجوز حينئذ لزوجها, البقاء معها على هذه الحال, وهي خير من الفرقة.
ولهذا قال: " وَالصُّلْحُ خَيْرٌ " .
ويؤخذ من عموم هذا اللفظ والمعنى, أن الصلح بين من بينهما حق أو منازعة في جميع الأشياء, أنه خير من استقصاء كل منهما على كل حقه, لما فيه من الإصلاح, وبقاء الألفة, والاتصاف بصفة السماح.
وهو جائز في جميع الأشياء, إلا إذا أحلّ حراما, أو حرّم حلالا, فإنه لا يكون صلحا, وإنما يكون جورا.
واعلم أن كل حكم من الأحكام, لا يتم, ولا يكمل, إلا بوجود مقتضيه, وانتفاء موانعه.
فمن ذلك, هذا الحكم الكبير, الذي هو الصلح.
فذكر تعالى المقتضي لذلك, ونبه على أنه خير, والخير كل عامل يطلبه, ويرغب فيه.
فإن كان - مع ذلك - قد أمر الله به, وحثّ عليه ازداد المؤمن طلبا له, ورغبة فيه.
وذكر المانع بقوله " وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ " أي: جبلت النفوس على الشح, وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان, والحرص على الحق الذي له.
فالنفوس مجبولة على ذلك طبعا.
أي ينبغي لكم, أن تحرصوا على قلع هذا الخُلُق الدنيء, من نفوسكم, وتستبدلوا به, ضده وهو: السماحة, وهو بذل الحق الذي عليك, والاقتناع ببعض الحق الذي لك.
فمتى وفق الإنسان لهذا الخُلُق الحسن, سهل - حينئذ - عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله, وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب.
بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه, فإنه يعسر عليه الصلح والموافقة, لأنه لا يرضيه إلا جميع ماله, ولا يرضى أن يؤدي ما عليه.
فإن كان خصمه مثله, اشتد الأمر.
ثم قال: " وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا " أي: تحسنوا في عبادة الخالق, بأن يعبد العبد ربه كأنه يراه, فإن لم يكن يراه, فإنه يراه.
وتحسنوا إلى المخلوقين, بجميع طرق الإحسان, من نفع بمال, أو علم, أو جاه, أو غير ذلك.
" وَتَتَّقُوا " الله, بفعل جميع المأمورات, وترك جميع المحظورات.
أو تحسنوا بفعل المأمور, وتتقوا بترك المحظور.
" فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " قد أحاط به, علما وخبرا, بظاهره وباطنه, فيحفظه لكم, ويجازيكم عليه, أتم الجزاء.