يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا
﴿١٣٦﴾سورة النساء تفسير السعدي
اعلم أن الأمر, إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه.
فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه.
وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان كقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ " الآية وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء, فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد.
ومنه ما ذكره الله في هذه الآية, من أمر المؤمنين بالإيمان.
فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم, من الإخلاص والصدق, وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات.
ويقتضي أيضا, الأمر بما لم يوجد من المؤمن, من علوم الإيمان وأعماله.
فإنه كلما وصل إليه نص, وفهم معناه, واعتقده, فإن ذلك من المأمور به.
وكذلك سائر الأعمال الظاهرة, والباطنة, كلها من الإيمان, كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة, وأجمع عليه سلف الأمة.
ثم الاستمرار على ذلك, والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " .
وأمر هنا بالإيمان به, وبرسله, وبالقرآن, وبالكتب المتقدمة.
فهذا كله من الإيمان الواجب, الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به.
إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله, وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل.
فمن آمن هذا الإيمان المأمور به, فقد اهتدى وأنجح.
" وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا " .
وأي ضلال أبعد من ضلال من ترك طريق الهدى المستقيم, وسلك الطريق الموصلة له إلى العذاب الأليم؟!! واعلم أن الكفر بشيء من هذه الأمور المذكورة, كالكفر بجميعها, لتلازمها, وامتناع وجود الإيمان ببعضها, دون بعض.