۞ فَلْيُقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلْءَاخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًۭا
﴿٧٤﴾سورة النساء تفسير السعدي
ومن لطف الله بعباده, أن لا يقطع عنهم رحمته, ولا يغلق عنهم أبوابها.
بل من حصل على غير ما يليق أمره, دعاه إلى جبر نقصه, وتكميل نفسه.
فلهذا أمر هؤلاء, بالإخلاص, والخروج في سبيله فقال: " فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ " .
هذا أحد الأقوال في هذه الآية, وهو أصحها.
وقيل: إن معناه, فليقاتل في سبيل الله, المؤمنون الكاملو الإيمان, الصادقون في إيمانهم.
" الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ " أي يبيعون الدنيا, رغبة عنها بالآخرة, رغبة فيها.
فإن هؤلاء الذين يوجه إليهم الخطاب, لأنهم, الذين قد أعدوا أنفسهم, ووطَّنوها على جهاد الأعداء لما معهم من الإيمان التام, المقتضي لذلك.
وأما أولئك المتثاقلون, فلا يعبأ بهم, خرجوا أو قعدوا.
فيكون هذا, نظير قوله تعالى: " قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا " , إلى آخر الآيات وقوله " فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ " .
وقيل: إن معنى الآية: فليقاتل المقاتل والمجاهد للكفار, الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة.
فيكون على هذا الوجه " الذين " في محل نصب على المفعولية.
" وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " بأن يكون جهادا, قد أمر الله به ورسوله, ويكون العبد مخلصا لله فيه, قاصدا وجه الله.
" فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا " زيادة في إيمانه ودينه, وغنيمة, وثناء حسنا, وثواب المجاهدين في سبيل الله الذين أعد الله لهم في الجنة, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.