يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنًۭا تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌۭ ۚ كَذَٰلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًۭا
﴿٩٤﴾سورة النساء تفسير السعدي
يأمر تعالى عباده المؤمنين, إذا خرجوا جهادا في سبيله, وابتغاء مرضاته - أن يتبينوا, ويتثبتوا في جميع أمورهم المشتبهة.
فإن الأمور قسمان: واضحة وغير واضحة.
فالواضحة البيِّنة, لا تحتاج إلى تثبت وتبين, لأن ذلك, تحصيل حاصل وأما الأمور المشكلة غير الواضحة, فإن الإنسان يحتاج إلى التثبت فيها والتبين, هل يقدم عليها أم لا؟.
فإن التثبت في هذه الأمور, يحصل فيه من الفوائد الكثيرة, والكف عن شرور عظيمة, فإن به يعرف دين العبد, وعقله, ورزانته.
بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها, قبل أن يتبين له حكمها, فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي.
كما جرى لهؤلاء الذين عاتبهم الله في الآية, لمَّا لم يتثبتوا, وقتلوا من سلم عليهم, وكان معه غنيمة له أو مال غيره, ظنا أنه يستكفي بذلك قتلهم, وكان هذا خطأ في نفس الأمر, فلهذا عاتبهم بقوله: " وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ " .
أي: فلا يحملنكم العرض الفاني القليل, على ارتكاب ما لا ينبغي, فيفوتكم ما عند الله من الثواب الجزيل الباقي, فما عند الله خير وأبقى.
وفي هذا إشارة إلى أن العبد ينبغي له, إذا رأى دواعي نفسه مائلة إلى حالة له فيها هوى, وهي مضرة له - أن يُذَكِّرها, ما أعد الله لمن نهى نفسه عن هواها, وقدَّم مرضاة الله على رضا نفسه, فإن في ذلك ترغيبا للنفس, في امتثال أمر الله, وإن شق ذلك عليها.
ثم قال تعالى - مذكرا لهم بحالهم الأولى, قبل هدايتهم إلى الإسلام.
" كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ " أي: فكما هداكم بعد ضلالكم, فكذلك يهدي غيركم.
وكما أن الهداية حصلت لكم شيئا فشيئا, فكذلك غيركم.
فنظر الكامل لحاله الأولى الناقصة, ومعاملته لمن كان على مثلها, بمقتضى ما يعرف من حاله الأولى, ودعاؤه له بالحكمة والموعظة الحسنة - من أكبر الأسباب لنفعه وانتفاعه.
ولهذا أعاد الأمر بالتبين فقال " فَتَبَيَّنُوا " .
فإذا كان من خرج للجهاد في سبيل الله, ومجاهدة أعداء الله, واستعد بأنواع الاستعداد للإيقاع بهم, مأمورا بالتبين لمن ألقى إليه السلام, وكانت القرينة قوية, في أنه إنما سلم تعوذا من القتل, وخوفا على نفسه - فإن ذلك يدل على الأمر بالتبين والتثبت, في كل الأحوال التي يقع فيها نوع اشتباه, فيتثبت فيها العبد, حتى يتضح له الأمر, ويتبين الرشد والصواب.
" إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " فيجازي كُلًّا, ما عمله ونواه, بحسب ما علمه من أحوال عباده ونياتهم.