وَإِذَا جَآءَتْهُمْ ءَايَةٌۭ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ رُسُلُ ٱللَّهِ ۘ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُۥ ۗ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌۭ شَدِيدٌۢ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
﴿١٢٤﴾سورة الأنعام تفسير السعدي
وإنما ثبت أكابر المجرمين على باطلهم, وقاموا برد الحق الذي جاءت به الرسل, حسدا منهم وبغيا, فقالوا: " لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ " من النبوة والرسالة.
وفي هذا اعتراض منهم على الله, وعجب بأنفسهم, وتكبر على الحق الذي أنزله على أيدي رسله, وتحجر على فضل الله وإحسانه.
فرد الله عليهم اعتراضهم الفاسد, وأخبر أنهم لا يصلحون للخير, ولا فيهم ما يوجب أن يكونوا من عباد الله الصالحين, فضلا أن يكونوا من النبيين والمرسلين: فقال: " اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ " فيمن علمه يصلح لها, ويقوم بأعبائها, وهو متصف بكل خلق جميل, ومتبرئ من كل خلق دنيء, أعطاه الله ما تقتضيه حكمته أصلا, وتبعا.
ومن لم يكن كذلك, لم يطع أفضل مواهبه, عند من لا يستأهله, ولا يزكو عنده.
وفي هذة الآية, دليل على كمال حكمة الله تعالى, لأنه, وإن كان تعالى رحيما, واسع الجود, كثير الإحسان, فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله.
ثم توعد المجرمين فقال: " سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ " أي: إهانة وذل, كما تكبروا على الحق, أذلهم الله.
" وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ " أي: بسبب مكرهم, لا ظلما منه تعالى.
" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ "
يقول تعالى - مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته, وعلامة شقاوته وضلاله-: إن من انشرح صدره للإسلام, أي: اتسع وانفسح, فاستنار بنور الإيمان, وحيى بضوء اليقين, فاطمأنت بذلك نفسه, وأحب الخير, وطوعت له نفسه فعله, متلذذا له - غير مستثقل - فإن هذا, علامة, على أن الله قد هداه, ومن عليه بالتوفيق, وسلوك أقوم الطريق.
وأن علامة - من يرد الله أن يضله, أن يجعل صدره ضيقا حرجا.
أي:: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين.
قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات, فلا يصل إليه خير, ولا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته, يكاد يصعد في السماء, أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء, الذي لا حيلة فيه.
وهذا سببه, عدم إيمانهم, فهو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم, لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان.
وهذا ميزان لا يعول, وطريق لا يتغير.
قإن من أعطى واتقى, وصدق بالحسنى, ييسره الله لليسرى.
ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى, فسييسره للعسرى.