كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنۢ بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًۭا مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَٰرِهُونَ
﴿٥﴾سورة الأنفال تفسير السعدي
قدم تعالى - أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة - الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها, لأن من قام بها, استقامت أحواله, وصلحت أعماله, التي من أكبرها, الجهاد في سبيله.
فكما أن إيمانهم, هو الإيمان الحقيقي, وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم اللّه به.
كذلك أخرج اللّه رسوله صلى الله عليه وسلم, من بيته إلى لقاء المشركين في " بدر " بالحق الذي يحبه اللّه تعالى, وقد قدره وقضاه.
وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج, أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال.
فحين تبين لهم أن ذلك واقع, جعل فريق من المؤمنين, يجادلون النبي صلى الله عليه وسلم, في ذلك, ويكرهون لقاء عدوهم, كأنما يساقون إلى الموت, وهم ينظرون.
والحال أن هذا, لا ينبغي منهم, خصوصا بعد ما تبين لهم أن خروجهم بالحق, ومما أمر اللّه به, ورضيه.
فهذه الحال, ليس للجدال فيها محل, لأن الجدال, محله وفائدته, عند اشتباه الحق, والتباس الأمر.
فأما إذا وضح وبان, فليس إلا الانقياد والإذعان.
هذا, وكثير من المؤمنين, لم يجر منهم من هذه المجادلة شيء, ولا كرهوا لقاء عدوهم.
وكذلك الذين عاتبهم اللّه, انقادوا للجهاد أشد الانقياد, وثبتهم اللّه, وقيض لهم من الأسباب, ما تطمئن به قلوبهم كما سيأتي ذكر بعضها.
وكان أصل خروجهم ليتعرضوا لعير, خرجت مع أبي سفيان بن حرب لقريش إلى الشام, قافلة كبيرة.
فلما سمعوا برجوعها من الشام, ندب النبي صلى الله عليه وسلم, الناس.
فخرج معه, ثلثمائة, وبضعة عشر رجلا, معهم سبعون بعيرا, يعتقبون عليها, ويحملون عليها متاعهم.
فسمع بخبرهم قريش, فخرجوا لمنع عيرهم, في عدد كثير وعُدَدٍ وافرة, من السلاح, والخيل, والرجال, يبلغ عددهم قريبا من الألف.